مناظرة أميركية فاشلة- هل تتجه الديمقراطية نحو الهاوية؟

تشهد مساعي إنعاش الديمقراطية في الولايات المتحدة الأميركية نكسة جديدة هذا الأسبوع، وذلك في أعقاب مناظرة رئاسية أخرى اتسمت بالفوضى العارمة قبل أيام، مما أثار مخاوف جمة بشأن المستقبل بدلاً من أن يبثَّ شعاعًا من الأمل في هذه الدولة المترامية الأطراف، الغنية بمواردها النفطية، والتي كانت في غابر الأزمان مستعمرة بريطانية، وتحمل في طياتها تاريخًا طويلاً حافلًا بألوان العنف السياسي.
لقد استضافت ولاية بنسلفانيا، تلك الولاية الهادئة نسبيًا الواقعة في الشمال الشرقي، هذه المناظرة المدوية، وذلك في عشية الذكرى السنوية الثالثة والعشرين للهجوم الإرهابي الأشد فتكًا في تاريخ البلاد. وكانت هذه المناظرة تمثل فرصة سانحة لاستعراض التقدم الديمقراطي الذي حققته الجمهورية منذ الانتخابات التي شابتها الفوضى والعنف، ومحاولة الانقلاب المشؤومة التي جرت قبل ما يقرب من أربع سنوات.
اقرأ أيضا
list of 2 itemsترامب يوقع أمرا تنفيذيا لإلغاء وزارة التعليم
"مبعوث يسوع".. هل سيُدخل ترامب أميركا عصر الهيمنة المسيحية؟
لكن البداية كانت مخيبة للآمال. فقد تم إقصاء المرشحين المعتدلين الثلاثة: جيل شتاين، وكورنيل ويست، وتشيس أوليفر، من المشاركة في هذه الفعالية الحاسمة. وبدلاً من ذلك، اقتصر التنافس المحتدم على المرشحين الرئيسيين فحسب: الرئيس السابق دونالد ترامب، مرشح الحزب الجمهوري اليميني المتطرف، الذي يُعتقد على نطاق واسع أنه يمثل الجناح السياسي للميليشيات المسيحية البيضاء، وكامالا هاريس، نائبة الرئيس الحالية، التي قادت انقلابًا مدويًا داخل الحزب قبل شهرين، مما أجبر الرئيس الحالي غير المحبوب، جو بايدن، على التخلي عن طموحه في إعادة الترشح.
وخلال المناظرة، وجد المذيعون الأميركيون – الذين كان إعلامهم يُعد في يوم من الأيام من بين الأكثر ديناميكية وحيوية في المنطقة – صعوبة بالغة في إجبار ترامب وهاريس على الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بآرائهم وسياساتهم بشكل صريح وشفاف. وفي لحظات عدة، انحدرت الجلسة إلى تبادل للشتائم المتبادلة، والتخويف العلني، والتضليل المتعمَّد.
تبادل المرشحان الإهانات اللاذعة، وأثارا المخاوف بشأن تنامي قوة الصين، واختلفا حول حقوق المرأة الأساسية وما إذا كانت البلاد تواجه خطر الغزو من قبل "مهاجرين مجرمين يلتهمون الحيوانات الأليفة"، واتفقا على تقديم الدعم المطلق للكيان الإسرائيلي المتهم بارتكاب جرائم إبادة جماعية. ولم يقدم أيٌّ من المرشحين رؤية واضحة المعالم ترسم ملامح مستقبل البلاد.
ومع متابعة الشعب الأميركي لهذا المشهد المؤسف، فمن غير المرجح أن ينبهروا بجودة القيادة التي تقدمها الديمقراطية في البلاد. وهناك مخاوف متزايدة من أن البلاد قد تستمر في الانزلاق نحو الحكم الاستبدادي القمعي.
وقبيل انعقاد المناظرة، أظهرت استطلاعات الرأي أن المرشحين كانا متقاربين بشدة في مستويات التأييد. وبعد المناظرة، كشفت البيانات أنهما يتساويان في السباق المحموم نحو القاع. ومن المؤكد أن الناخبين الذين تابعوا المناظرة قد خرجوا بخيبة أمل مريرة؛ بسبب الخيارات المحدودة المتاحة أمامهم.
وفي استطلاع أُجري عقب انتهاء الحدث مباشرة، قال 45% فقط من المشاركين إنهم ينظرون إلى هاريس بشكل إيجابي، على الرغم من أن الكثيرين يعتقدون أنها فازت في المناظرة. بينما حصل ترامب على نسبة أقل من ذلك، إذ حصد 39% فقط من التقييمات الإيجابية. وفي إشارة إلى مدى قلق النخبة الأميركية من تراجع الثقة في الديمقراطية، ظهرت تايلور سويفت، إحدى الشخصيات الشهيرة والمؤثرة، على وسائل التواصل الاجتماعي عقب انتهاء المناظرة مباشرة، تحثّ الأميركيين على عدم فقدان الأمل، بل على إجراء الأبحاث المتأنية واتخاذ القرارات الصائبة.
لقد كان الحفاظ على الديمقراطية في الولايات المتحدة دائمًا أولوية حيوية لضمان السلام العالمي، وذلك نظرًا للدور المحوري الذي تلعبه في التحالف الغربي. ويقول المحللون المتخصصون إن السماح بعودة الحكم الاستبدادي إلى أميركا الشمالية والدول الإثنية في شمال أوروبا، قد يؤدي إلى اندلاع صراع قبلي قوقازي شامل جديد يجرّ المجتمع الدولي بأسره إلى حرب عالمية ثالثة مدمرة.
وفي الأسابيع القادمة، ستنطلق الدورة التاسعة والسبعون للجمعية العامة للأمم المتحدة في مدينة نيويورك القريبة، ومن المتوقع أن يكون موضوع استعادة الثقة في الديمقراطية الأميركية على رأس جدول الأعمال خلال أسبوع المناقشات الرفيعة المستوى التي سيتحدث فيها رؤساء الدول وكبار المسؤولين.
وفي ظلّ فشل النظام المعترف به دوليًا بقيادة جو بايدن، في تنفيذ الإصلاحات الانتخابية الأساسية لمنع تكرار كارثة انتخابات عام 2020، قد تكون هذه آخر فرصة سانحة للعالم لمساعدة الولايات المتحدة على إنقاذ نفسها ووضع الشعب الأميركي، الذي طالما عانى من ويلات الحروب والأزمات، على طريق أفضل نحو السلام والاستقرار المنشود.